القرآن الكريم و قصة جمعه ورسمه.


قصة جمع القرآن الكريم 

مصحف عثمان 

---

المرحلة الأولى: جمع القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

1. نزول القرآن مفرقًا

بدأ نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة القدر في رمضان، وهو في غار حراء، بقول الله تعالى:

> "اقرأ باسم ربك الذي خلق…"



نزول القرآن استمر 23 عامًا، بحسب الحوادث والوقائع والتشريعات، ولم ينزل دفعة واحدة، لحكمة ربانية عظيمة:

> "وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا" [الإسراء:106].




2. حفظ القرآن في الصدور

الصحابة كانوا يحفظون القرآن فور سماعه، وكثير منهم حفظوه كاملًا، ومنهم:

أبي بن كعب

زيد بن ثابت

عبدالله بن مسعود

معاذ بن جبل


كان بعضهم يُلقب بـ "القُرّاء"، لأنهم أصحاب القرآن وحفّاظه.


3. كتابة القرآن

النبي صلى الله عليه وسلم كان يُملي ما نزل من القرآن على كتّاب الوحي، وكان منهم:

زيد بن ثابت (الأشهر)

علي بن أبي طالب

معاوية بن أبي سفيان

خالد بن الوليد


كانت الكتابة تتم على مواد متعددة:

اللحاف : الحجارة البيضاء الرقيقة

الرقاع: الجلود

العسب: جريد النخل

الأكتاف: عظام الكتف


ومع أن القرآن كُتب، إلا أنه لم يُجمع في مصحف واحد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل كان مبعثرًا ومحفوظًا في الصدور.



---

المرحلة الثانية: الجمع الأول في عهد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)

1. بداية الخطر

بعد وفاة النبي، ووقوع حروب الردة، خرج المسلمون لقتال المرتدين.

في معركة اليمامة (سنة 12 هـ) ضد مسيلمة الكذاب، استشهد أكثر من 70 حافظًا للقرآن.

هذا أثار قلق عمر بن الخطاب. ضي الله عنه ، فقال لأبي بكر:
رضي الله عنه
> "أرى أن تأمر بجمع القرآن، فإني أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء فيذهب كثير من القرآن."




2. تردد أبي بكر رضي الله عنه ثم اقتناعه

في البداية، تردد أبو بكر وقال:

> "كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله؟"



لكن بعد حوار طويل مع عمر، شرح له أن جمع القرآن حفظٌ له من الضياع، فشرح الله صدر أبي بكر للموافقة.


3. تكليف زيد بن ثابت

تم اختيار زيد بن ثابت لهذه المهمة لعدة أسباب:

كان من كتّاب الوحي

كان شابًا حافظًا ضابطًا أمينًا

شهد اللحظات الأخيرة من حياة النبيﷺ


قال زيد عن هذه المهمة:

> "والله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمروني به من جمع القرآن…"




4. منهج الجمع

لم يُعتمد على الحفظ وحده، بل كانت العملية صارمة:

لا تُقبل آية إلا إذا كانت مكتوبة عند الصحابة

ويشهد على صحتها شاهدان (من الحفظ والكتابة)


هذا لضمان التوثيق والتحقيق، وليس لأن الصحابة كانوا يشكّون في القرآن.


5. النتيجة

اكتمل جمع القرآن في مصحف واحد مرتب السور والآيات.

هذا المصحف سُمي لاحقًا بـ "مصحف أبي بكر".

بقي عند أبي بكر حتى وفاته، ثم عند عمر بن الخطاب، ثم عند حفصة بنت عمر.رضي الله عنهم جميعا



---

المرحلة الثالثة: الجمع الثاني في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)

1. اتساع الدولة واختلاف القراءات

في عهد عثمان، اتسعت رقعة الإسلام إلى الفرس والروم والترك، ودخل أقوام جدد.

بعض الصحابة قرأوا القرآن بلهجاتهم أو بما سمعوه، وبدأ يظهر التنازع.

في معركة أرمينية وأذربيجان، اختلف الناس في قراءة القرآن، وكادت تحدث فتنة!


2. حذيفة بن اليمان ينذر عثمان

عاد حذيفة بن اليمان من الجبهة وقال لعثمان:

> "أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى."



ففزع عثمان للأمر، وقرر توحد القراءة والرسم.


3. تكوين لجنة جمع جديدة

عثمان أرسل إلى حفصة، يطلب منها نسخة المصحف التي عندها.

كلّف لجنة جديدة بـ:

زيد بن ثابت (رئيس اللجنة)

عبدالله بن الزبير

سعيد بن العاص

عبدالرحمن بن الحارث بن هشام


هذه اللجنة قامت بنسخ عدة مصاحف على الرسم القرشي (لهجة قريش)، 
لأنه القرآن نزل بلغتهم.


4. نشر المصاحف وإحراق غيرها

أرسل عثمان رضي الله عنه هذه المصاحف إلى:

مكة

الشام

الكوفة

البصرة

اليمن


وأمر بإحراق كل المصاحف الأخرى التي تخالف هذا الرسم لتجنب الفتنة.

بهذا توحّد رسم المصحف في الأمة الإسلامية.



---

خلاصة ونتيجة هذه الجهود

القرآن الكريم اليوم بين أيدينا هو نفسه الذي جُمع في عهد أبي بكر، ونُسخ في عهد عثمان.

لم يُغيَّر فيه حرف، ولم يُضف أو يُنقص.

والله تعالى حقق وعده:

> "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر: 9]


القرآن بقي بلا نقط، والحروف المتشابهة (بـ/تـ/ثـ/نـ/يـ) كانت تُكتب بنفس الشكل.

لما كثر دخول غير العرب، صاروا يخطئون في القراءة.

الحَلّ:

أبو الأسود الدؤلي (ت 69هـ): وضع النقط الحمراء على شكل حركات (فتحة: نقطة فوق، كسرة: نقطة تحت، ضمة: نقطة أمام).

نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر (تلاميذ الحجاج): وضعوا نقط الإعجام لتمييز الحروف (ب = نقطة، ت = نقطتان، ث = ثلاث...).




---

🎼 الضبط والتشكيل

جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هـ) فأبدع النظام الذي نستعمله اليوم:

فتحة ( ـَ )، ضمة ( ـُ )، كسرة ( ـِ )، سكون ( ـْ )، شدّة ( ـّ ).


هذا جعل القراءة سهلة ودقيقة.

ثم أضيفت علامات الوقف (م، لا، ج...) لمساعدة القارئ على حسن الأداء.



---

🕌 فنون المصحف

مع مرور القرون، ازدهرت الخطوط (كوفي، نسخي، ثلث، مغربي...).

صارت المصاحف تُزخرف، مع الحفاظ الكامل على النص.

ظهرت علامات جديدة:

أرقام الآيات.

أسماء السور مزخرفة.

تقسيم القرآن إلى أجزاء وأحزاب وأرباع.




---

🖨️ الطباعة وانتشار المصحف

مع اختراع الطباعة، طُبع أول مصحف في أوروبا (في البندقية 1537م) لكن بغير دقة.

أول طباعة إسلامية صحيحة: مصحف بطرسبورغ (1787م) في روسيا.

أشهر الطبعات:

مصحف القاهرة (1924م) برعاية الأزهر، على رواية حفص عن عاصم، وهو المرجع الأشهر اليوم.

ثم انتشرت طبعات المدينة المنورة (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف).




---

✨ الخلاصة

بدأ القرآن مكتوبًا بلا نقط ولا تشكيل.

جُمع في عهد أبي بكر، ثم وُحد رسمه في عهد عثمان (الرسم العثماني).

أُضيفت النقط والتشكيل تدريجيًا لحماية النص من التحريف.

تطور الخط والزخرفة، ثم جاءت الطباعة، حتى صار المصحف اليوم بهذا الشكل الموحّد عالميًا.





---





 

تعليقات