المدخلية بين التماهي مع الحكام وشيطنة المعارضين



المقدمة
















تعد "المدخلية" تيارًا دينيًا سلفيًا نشأ في العالم الإسلامي خلال العقود الأخيرة، وهو يُنسب إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي. يتميز هذا التيار بتشدده في مسألة طاعة الحكام، وهجومه الحاد على التيارات الإسلامية الأخرى، واعتباره أي خروج على الحكام نوعًا من البدعة والضلال. في هذا البحث، سنستعرض نشأة المدخلية، الظروف التي أحاطت بها، خصائصها الفكرية، أبرز رجالها، إضافة إلى انتقاداتها والمخاطر التي يرى بعض الباحثين أنها تشكلها على المجتمعات الإسلامية. 


أولًا: نشأة المدخلية والظروف السياسية والاجتماعية


1. البدايات الأولى للمدخلية


يرجع تأسيس المدخلية إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وهو عالم سلفي من السعودية ولد عام 1932. تلقى تعليمه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتأثر بمدرسة السلفية التقليدية، لكنه تميز باتجاهه الشديد في مواجهة الحركات الإسلامية الأخرى، خاصة الإخوان المسلمين والتيارات الحركية السلفية مثل سرورية محمد سرور زين العابدين.


2. الظروف السياسية والاجتماعية


تبلورت المدخلية خلال فترة شهدت صراعات داخل التيار السلفي، وكان ذلك في سياق سياسي مضطرب في العالم العربي، حيث كانت الحكومات تسعى إلى احتواء أي تيارات معارضة، ووجدت في الفكر المدخلي وسيلة لتعزيز شرعيتها من خلال نشر فكر يربط طاعة الحاكم بالدين، ويرفض أي معارضة سياسية.


في التسعينيات، برز التيار المدخلي بقوة بعد حرب الخليج الثانية (1991)، حيث كان هناك انقسام داخل التيارات الإسلامية حول الاستعانة بالقوات الأجنبية في الجزيرة العربية، وهو ما دفع المدخلية إلى تبني موقف صارم في دعم الحكومات.


في الألفينات، انتشر التيار في عدة دول عربية مثل مصر وليبيا واليمن، حيث استُخدم لمواجهة الحركات الإسلامية المناهضة للأنظمة.



ثانيًا: خصائص الفكر المدخلي


1. الولاء المطلق للحكام


يركز التيار المدخلي على طاعة ولي الأمر، حتى وإن كان ظالمًا أو فاسدًا، ويعتبر أن الخروج على الحاكم فتنة أشد ضررًا من الظلم نفسه.


2. التشدد في النقد والجرح والتعديل


يتبنى التيار أسلوبًا صارمًا في نقد التيارات الإسلامية الأخرى، مستخدمًا منهج الجرح والتعديل في تكفير أو تبديع المخالفين، سواء كانوا إسلاميين أو حتى سلفيين من تيارات أخرى.


3. رفض العمل السياسي


يرفض المدخلية أي شكل من أشكال العمل السياسي، ويعتبرون الانتخابات، الأحزاب، وحتى المظاهرات أمورًا بدعية تتعارض مع الإسلام.


4. التركيز على "المنهج" بدلًا من القضايا الكبرى


في الوقت الذي انشغلت فيه معظم التيارات الإسلامية بالقضايا السياسية والاجتماعية، ركز المدخليون على قضايا مثل نقد الحركات الإسلامية الأخرى، والتحذير من الدعاة الذين لا يوافقون منهجهم.


5. ارتباطهم بالأنظمة السياسية


يرى كثير من الباحثين أن المدخلية ليست مجرد تيار ديني، بل هي "أداة سياسية" تستخدمها الأنظمة لمواجهة خصومها من الإسلاميين.



ثالثًا: أبرز رجال التيار المدخلي


الشيخ ربيع بن هادي المدخلي: المؤسس والمرجع الرئيسي للتيار.


الشيخ محمد بن هادي المدخلي: من أبرز المدافعين عن المنهج المدخلي.


الشيخ عبيد الجابري: من علماء المدينة المنورة الذين يتبنون الفكر المدخلي.


الشيخ فركوس (الجزائر):

 أحد الوجوه البارزة للمدخلية في المغرب العربي.


الشيخ مقبل الوادعي (اليمن): على الرغم من وفاته، إلا أن بعض أتباعه في اليمن يتبنون النهج المدخلي.






رابعًا: زلات المدخلية وخطرها


1. التبديع والتكفير العشوائي


أحد أبرز الانتقادات الموجهة إلى المدخلية هو التوسع في إطلاق الأحكام على العلماء والمشايخ الآخرين، مما أدى إلى تفريق الصف السلفي ذاته.


2. تحريم المعارضة بأي شكل


رغم أن الإسلام أجاز النصيحة للحكام، إلا أن المدخلية تمنع أي شكل من أشكال الاعتراض، حتى ولو كان سلميًا، مما يجعلها أداة لإضفاء الشرعية على الاستبداد السياسي.


3. تهميش قضايا الأمة الكبرى


بينما انشغلت الأمة الإسلامية بقضايا الاحتلال والاستبداد والعدالة الاجتماعية، كان اهتمام التيار المدخلي منصبًا على مسائل فرعية مثل نقد الجماعات الأخرى والتشكيك في العلماء والدعاة.


4. استغلالها من قبل الأنظمة القمعية


تم استغلال المدخلية في عدة دول عربية لمواجهة الثورات والانتفاضات الشعبية، حيث كان خطابهم داعمًا للحكام ضد أي حركات تغييرية.


5. الخلافات الداخلية الحادة


على الرغم من وحدة التيار ظاهريًا، إلا أن داخله خلافات كبيرة بين أتباع شيوخه، حيث يكفر بعضهم بعضًا بسبب خلافات على مسائل صغيرة.



الخاتمة:


المدخلية  تيار سلفي نشأ في بيئة سياسية معينة، وتبنى مواقف متشددة ضد الحركات الإسلامية الأخرى، مما جعله محل جدل واسع في العالم الإسلامي. وعلى الرغم من تأييده للحكام، إلا أنه يُتهم بأنه يخدم المصالح السياسية أكثر من كونه تيارًا دينيًا مستقلًا. في النهاية، تبقى المدخلية أحد أبرز التيارات المثيرة للجدل في الساحة الإسلامية، نظرًا لدورها في تفريق الصف الإسلامي وارتباطها بالأنظمة السياسية.


المراجع :

ويكيبيديا

موقع تبيان

......... 

تعليقات