شكوك..!
عندما بلغت إيمان عامها الأول،
بدأت أعراض التوحد تظهر في سلوكاتها وتصرفاتها..!
أولى هذه الأعراض عدم استجابتها لاسمها، كأنها لا تعرفه! أو لا تسمعه!
أنادي عليها مرات ومرات فلا تلتفت
للنداء بل تظل منشغلة بألعابها دون أن ترفع رأسها، أو تبحث عن مصدر الصوت!
وثانيها، أنها لم تنطق بأية كلمة من الكلمات المتعارف عليها في هذا السن،
مثل ماما ، و بابا...!
أخذتها إلى طبيب الأطفال ، و بعد
ما وصفت له ما لاحظته من أعراض،
سألته: هل هي مصابة بالتوحد؟!
رغم أنني لم أكن أعرف عن التوحد
إلا صورة رجل قيل عنه أنه مصاب
بالتوحد، وتم تكريمه للنبوغه في مجال ما! لا أذكره، وكان هذا خبرا في نشرة الأخبار وظلت صورته منطبعة في ذاكرتي وهو منطو
على نفسه ، يشيح بوجهه، و غريب الأطوار و قد فرت نظراته عن الناس فلا تكاد تحدق عيناه في أحد..! حدث هذا!
منذ عشرين عاما وأنا لازلت تلميذة في الصف الثانوي!
ولكنني لسبب ما، لم أستطع تجاوز هذه الصورة، و ظلت كلمة التوحد
مرتبطة بذلك الرجل الذي بدأ لي غريبا يعيش عزلته وسط كم هائل من الناس!
رد علي الطبيب قائلا إن إيمان
صغيرة ، وأنه لا يمكن تشيخصها في هذا السن!
فأحسست أن الطبيب لا يعرف الكثير عن التوحد!
حدث هذا منذ خمسة عشر عاما!
عندما كانت المعلومات عن اضطراب التوحد شحيحة!
خرجنا من عيادة الطبيب ، كنت أمسك بيدها الصغيرة الطرية ذات الملمس الحريري، وكأنها دمية هادئة ساكنة!
تسير وسط ضجيج الباعة و أبواق السيارات و صخب المارة دون إصدار أي تفاعل يذكر مع هذا الخليط من الأصوات والألوان
والروائح ، تمشي و كأنها لا ترى أحدا، لا شيئ في هذا العالم يثير اهتمامها،
أنا أمسكها بيدي ، لكنها هي في عالم آخر، أنا و ما يحيط بي لسنا جزءا منه..!!
إلى يومنا هذا لم أسمع من إيمان كلمة ماما..!
وكم أتوق إلى سماعها!
مطلب صغير جدا، تتمتع به كثير من الأمهات فوق هذه الأرض وقد يبدو لهن طبيعيا عاديا ، و لكنه بعيد المنال لأمهات أخريات اصطافهن الله ليحتضنّ طفلا يعاني من أحد اضطرابات طيف التوحد..!
هل سأسمع هذه الكلمة الجميلة من إيمان يوما؟!
قد أسمعها وقد لا أسمعها!
وستظل ضمن الأمنيات التي تحوك في النفس،
ويتناساها اللسان في غمرة التحديات و الآلام..!
من يدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا..!

تعليقات